قرقاعون، قرقيعان، قرنقعوه ... ما هي "فرحة أطفال الخليج" في ليلة منتصف رمضان؟

في ليلة منتصف الشهر، تقيم الأسر الخليجية احتفالا لتكريم أطفالهم ومكافأتهم على صيامهم ولتشجيعهم على الاستمرار في صيام النصف الباقي.
ويطوف الأطفال المنازل القريبة بأكياس من القماش طمعا في الحصول على الحلوى والمكسرات، مرددين أغنيات وأهازيج منها "قرقاعون عادت عليكم" - مما يدفع البعض إلى المقارنة بين العادة العربية والاحتفال الغربي "هالوويين".
وتختلف تسمية الاحتفال بين الدول الخليجية، فمثلا في قطر تعرف بـ"القرنقعوه"، وفي الكويت والجانب الشرقي من السعودية يسمى "القرقيعان"، بينما يطلق عليه المسلمون في عمان اسم "القرنقشوه".
ويعود أصل الكلمة إلى "قرة العين" في شهر رمضان والقرة تعبّر عن سرور الإنسان وفرحه بما يملك - لكن الاسم تغير مع مرور الزمن ليشير إلى قرع الأطفال للأبواب أثناء الاحتفال.
استخدم المغردون المناسبة لإطلاق هاشتاغات محلية، منها #قرقاعون و #القرنقعوه لتداول صور ومقاطع فيديو لاحتفالاتهم والتعبير عن فخرهم للتمسك بهذه العادة الشعبية بالرغم من مرور الزمن.
ونشر المغردون صورا للأولاد في الشوارع الخليجية وهم يحملون حول أعناقهم أكياسا أو سلالا في انتظار ملئها بالحلوى والمكسرات، ويضربون على الطبول ويرددون أناشيد شعبية.
وتغيرت طرق الاحتفال بالمناسبة مع مرور الزمن، فبينما كان الاحتفال يتسم بشراء المكسرات والحلويات البسيطة لتوزيها على الأطفال، بدأت بعض المؤسسات التجارية والجمعيات الخيرية بتنظيم احتفالات واسعة .
ويرى البعض في النشاطات الترفيهية التي ترافق الاحتفالات، منها نقش الحنّة على أكفّ البنات وتلوين الوجوه والألعاب الشعبية الخليجية، "إلهاء" عن المعنى الأصلي للاحتفال.
كما أشار المغردون إلى التنافس بين بعض الأسر في كيفية عرض وتغليف الأكياس التي يحملها الأطفال، إضافة إلى استفادة المحلات التجارية بعرض علب فاخرة بأسعار باهظة.
حدث أن كان الناس مشغولين بالتحضير لشهر رمضان لشراء كل ما يتعلق بالولائم الرمضانية من أوان منزلية وسلع غذائية، وعلى رأسها مشروب رمضان الشهير في دمشق "قمر الدين" فيما كنت أتنقّل بين محلات الملابس والعطور استعداداً لحفل زواجي الذي سيقام في رمضان.
قرار زواجي هذا أثار زوبعة أسرية كبيرة، فكل من سمع بالقصة من قريب أو بعيد قال لي: "لك في حدا بيتزوج برمضان.. يا لطيف؟!" وكنت أنا "هذا الحدا".
معظم المقبلين على الزواج يحددون موعد زفافهم بعد انتهاء شهر الصيام أو قبله بأسابيع؛ نظرا لما تتطلبه مراسم الزواج من استعدادات وتجهيزات قبل الزواج وبعده؛ وهي مراسم تتناسب مع طقوس كل الشهور إلا شهر رمضان.
ويخصّص الدمشقيون الأيام العشر الأوائل من رمضان "للمرق" لانهماك الناس بتحضير الموائد، بينما يخصصون العَشر الوسطى "للخِرَق" لشراء ملابس العيد ولوازمه، أما أنا فقد قفزت إلى "الخرق" متجاوزة "المرق" بحكم التحضير جهاز عرسي، ليكون فستاني الأبيض محاكاة لعادة سوريّة درج عليها البعض بأن تتحلى موائدهم في أول أيام رمضان بأطباق بيضاء اللون، كشيخ المحشي وباشا وعساكره والكبة اللبنية، فيعم السلام عليهم في هذا الشهر الكريم.. وكنت أريد السلام أيضاً.
كان الترتيب للزواج في رمضان شبه مستحيل؛ فكل تفاصيل حفل العرس لا تتفق مع أن يقام في رمضان. أرهقني البحث عن قاعة لحجزها لليلة العمر، معظم القاعات غير قابلة للحجز في رمضان، قوالب الحلوى ذات الطوابق السبعة المخصصة للأعراس غدت أهرامات من الحلويات العربية، فهي المطلوبة حصراً في رمضان.
وكيف لعروس أن تحظى بليلة حناء تغني فيها صديقاتها قبل أيام من عرسها "بيلبقلك شك الألماس"، في حين أن العرف الجاري في تلك الأيام هو الاستعداد لرمضان بالمكنسة والممسحة لترتيب البيوت وتنظيفها، من لها أن تحنّي يديها في هذا التوقيت من العام: "بيلبقلك شك الألماس أم بيلبقلك تنظيف الأثاث"؟
وكيف لفرقة العراضة الشامية التي طالما حلمت أن تزين عرسي أن تصدح بالسيف والترس وهي تهتف "شنّكليلة شنّكليلة الله يعينه على هالليلة من هالليلة صارلو عيلة" مع وقع صوت طبل المسحراتي وهو ينشد "يا نايم وحّد الدايم".
ومن سيحضر عرساً يمتد ما بين وجبتي الإفطار والسحور، في وقت يترقب الصائم فيه هذا الشهر ليعبد ربه، لا لإقامة الأفراح أو حضورها.
وأي صبحية يمكن أن تحظى بها عروس بطعام فطور شهي ولمة أهل وأصحاب في نهار الصيام. وكيف لشهر العسل أن يوافق شهر الصيام والقيام. وتكررت على مسامعنا تلك الجملة "في حدا بيروح شهر عسل برمضان" وهذه المرة "لم أكن أنا هذا الحدا"، إذ لم أحظ بكل ما سبق فقد كان من المستحيل أن يتم الأمر هكذا، لكن الزواج تم.
كنت أعلم أن الزواج في رمضان أمر شبه مستحيل، ولكنه حدث، ولكن كيف للطلاق أن يكون مرفوضاً في هذا الشهر أيضاً. أمر وقفت عنده مطولاً، وحينما حاولت أن أتأكد منه عثرت على ما يفيد بحظره، على اعتبار أن الصائم قد "يطلّق" لأتفه الأسباب.
قد يكون للمرء خيار في تحديد موعد الزواج أو الطلاق، إلا أن هناك مناسبات لا ناقة لنا فيها ولا جمل، كحالات الولادة في رمضان.
ولا يقتصر الأمر على عدم تمكّن المرأة من الصيام في هذا الشهر بسبب الولادة، ولكن سيكون من الصعب على عائلتها وأهلها أن يقدموا لها العناية الكافية، إضافة إلى توريط ذويها باستقبال الضيوف للمباركة بالمولود الجديد في وقت هم أحوج إليه للاعتكاف والتعبّد، إضافة إلى ما تظنه بعض النسوة من معتقدات غريبة بأن التي تلد في رمضان "ينزل مولودها من بطنها وهو يعض أصابعه بسبب الجوع"، أو أن يكون " مكرمش الجلد" بسبب فقدانه لوزنه بسبب الصيام، أو أن المولود سيكون بخيلاً لأن المهنئات يأتين لأمه وهن صائمات "هل سبق أن رأيت شيئاً كهذا"؟
الامتحانات في رمضان كحالات الولادة، لا يملك الطلاب سبيلاً لتأجيلها، وهي تزيد عبء الأهل، خاصة الأمهات، في متابعة دراسة الأبناء وتنظيم مواعيد نومهم في رمضان؛ إذ أنّ الامتحانات تتطلب قسطاً وافراً من النوم، بينما يتطلب السّحور السّهر أو الاستيقاظ في منتصف الليل.
في لندن، وفي هذه الأيام الرمضانية تحديداً، يقدّم الطلاب امتحاناتهم، ما بين راض بهذا التوقيت كونه يوافق شهراً "فيه دعوة للصائم لا ترد"، وما بين رافض لها لأنه لن يستطيع الغش! كما همست لي إحداهن بذلك قائلة: "لا يتفق الصيام مع الغش".

Comments

Popular posts from this blog

الحوثيون يعلنون عن مبادرة لوقف إطلاق الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على دول التحالف العربي

中国可助力遏制物种灭绝

هل يجوز التغاضي عن أخطاء المشاهير ولاعبي كرة القدم؟